في عيد الأم .. دور الأم تحت التهديد
.
.
لابد من أن قصة يوم عيد الأم قد مرت على مسامعكم قبل هذا اليوم، لكن لا بأس أن نحكي الحكاية مجددًا؛ ليس بهدف أن نردد القصة بل من أجل أن نأخذ العبرة.
كان العام ١٩٠٧م هو العام الأول الذي أقيم فيه حفل بعنوان عيد الأم من قبل سيدة أمريكية اسمها (آنا جارفيس)، سعت هذه السيدة لجعل عيد الأم احتفالا سنويا عاما، وكان لها ذلك بعد أن استجاب لإلحاحها المسؤول عن ولاية فرجينيا وأصدر أوامره بإقامة أول احتفال ليوم الأم في ١٢ مايو، ولا يزال عيد الأم في أمريكا يقام في مثل هذا التاريخ.
أما في بقية دول العالم فيختلف تاريخ إقامة يوم الأم من دولة إلى أخرى بما فيها الدول العربية والإسلامية؛ إذ تعود فكرة الاحتفال بعيد الأم في مصر والدول العربية إلى الصحفي المصري الراحل علي أمين في مقاله اليومي بتاريخ 6 ديسمبر 1955م، الذي قال فيه: (لم لا نتفق على يوم من أيام السنة نطلق عليه يوم الأم ونجعله عيدًا قوميًّا في بلادنا وبلاد الشرق)، وسرعان ما لاقت هذه الدعوة صداها في المجتمع المصري وقد اختير تاريخ الـ٢١ من مارس وهو أول أيام فصل الربيع يومًا للأم.
الأساس الذي حض السيدة الأمريكية (آنا)، والصحفي المصري أمين، ومن قبلهم شخصيات لم يقدر لها أن تذكر في التاريخ للدعوة ليوم سنوي تكرم فيه الأم، هو شعور الأمهات ببعد الأبناء وجفائهم بعد أن يكبروا ويستقلوا بحياتهم.
أساس دعوة السيدة (آنا) ليوم الأم، هو التفكك الأسري الذي صارت تعاني منه الأسرة الأمريكية؛ إذ ينفصل الأبناء عن والديهم مبكرًا، ثم قد لا يعودون حتى في الأعياد المعتادة!
كما يُذكَر أن سبب دعوة الصحفي المصري ليوم الأم هي شكوى سيدات له من جفاء أبنائهن!
.
اليوم - في تصوري - لم يعد عيد الأم يوما لتكرم كل أسرة المرأة التي أنجبت ورعت وتعهدت وأحسنت، بل هو يوم للدفاع عن دور الأم أمام الهجمة التي تدار ضده بحسن نية أحيانا وبتطرف أحايينَ أخرى.
من المؤسف أن بعض الدعاوى المتطرفة باسم الإنسانية والأخلاقية وحقوق المرأة، تناضل ضد أن تمارس المرأة دورها طوعا عبر إقناعها بسلسلة من القناعات التي تناهض الطبيعة الحتمية لهذا الكوكب، لذلك فهي دعوات لن تنجح تمامًا، لكن هناك تأثير تمارسه؛ ولنأخذ على سبيل المثال تلك الدعوات التي تلوم الوالدين على إنجاب أبناء في زمن الحروب والفقر والتسابق نحو التسلح، ولا أدري هل توقفت الحروب يوما وهل خلا قرن منها؟!
هناك فلسفة لا إنجابية يتم الترويج لها حماية للانسان، والغريب أن هذه الدعوة تتحدث عن أصالتها الضاربة بعمق التاريخ حتى أن أبو العلاء المعري اعتُبر من المسلمين المائلين إليها خصوصًا ما وردَ في بيت شعره الذي قال فيه:
هذا جناه أبي عليَّ وما جنَيت على أحد
تُرى، من هو المسؤول الأول عن الإنجاب؟ أليست المرأة؟ يقال أن أكثر المنتمين لهذه الفلسفة هم من النساء؛ إذ لا بد من أن إشعارهن بالذنب لممارستهن أمومتهن قد يُؤتي أُكلَه! أضف إلى ذلك إشعارهن بالذنب لفقرهن وإنجابهن وبالتالي زيادة عدد الفقراء في الأرض! أو حماية للبيئة المسكينة التي أنهكها الإنسان فصارت الدعاوى تتجه إلى عدم الإنجاب بدلا عن تصحيح الاعوجاج وتنظيف البيئة ورفض التسلح، أليس الفقير والنبيل دائما هما من يدفعان الثمن؟! إذا فكيف ستوجه الدعوات للمسؤولين والسياسيين وسماسرة الحرب والتجار الذين يجرفون الأرض والأشجارلحماية البيئة؟ مادام هناك فقراء يمكن الضرب على رؤوسهم ليكونوا هم الجناة والضحية في آن واحد!
لعل كل تلك الدعوات طريفة أمام الدعاوى التي تتحدث عن حقوق المرأة، فتروج إلى فلسفة أن الأنثى ما خُلقت لتكون إمرأة تتزوج من رجل وتنجب الأبناء بل إن هذه الممارسة لا تعدو كونها دورا اجتماعيا أعده المجتمع الظالم الذكوري للمرأة وعليه فعلى النساء المتمردات رفض تلقينهن وقولبتهن في هذا القالب الاجتماعي وليخترن إن أردن أن يكنّ شريكات مع رجل أو امرأة، ومن حقهن أن يتوقفن عن الإنجاب، فلماذا تنجب المرأة متحملة عبء الحمل والولادة والرضاع دونا عن الرجل؟!!! الرجل الذي يعده المجتمع ليكون ذكرا هو الآخر في قالب اجتماعي ليس بالضرورة أن يكونه!!! تلك الدعوة تندرج تحت دعاوى الحرية الشخصية المطلقة والدعوة لتشريع الشذوذ.
أما ما يهدد دور الأم في مجتمعنا فهما أمران:
الأول: انصراف الشباب في عمر الزواج إلى الدراسة أو العمل مع القدرة على الجمع بين الأمرين فيما لو كان سقفُ توقعاتنا واقعيًّا، فالكثير من أمهات اليوم تزوجن وأنجبن ورعين أبنائهن وهن على مقاعد الدراسة، ولا أدري إن كان واقعيا أن نفصل بين أدوار الإنسان المختلفة بمعنى أن الطالب لا يمكن أن يكون طالبا بالإضافة إلى كونه عاملا؟! وأن الطالبة لا يمكن أن تكون طالبة بالإضافة إلى كونها زوجة ثم أمًّا؟ نعم قد لا يكون كل فرد قادر على الجمع، لكن حتما من التقصير أن يؤمن الجميع بعجزهم في الجمع بين أجمل الأدوار في أجمل سنوات العمر وأكثرها قوة.
الثاني: إيمان الكثير من الشباب رجالا ونساء من أن الإنجاب وتربية الأبناء عبء ثقيل من الجيد تأجيله ثم تأجيله ربما حتى يكون حلما عصيًّا على التحقق، وهو ما يحصل في المجتمعات الغربية؛ إذ ترفض المرأة أن تنجب، وإن حملت خارج إطار الزواج سارعت إلى إسقاط جنينها، أو إن أنجبته أودعته ملجأً ما أو تركته في صندوق (baby box*)؛ لتتبناه أسره فقدت القدرة على الإنجاب أو آمنت بإحدى الفلسفات الرافضة للإنجاب وحاولت أن تنقذ مشاعرها أو إنسانا ما من براثن الضياع فقررت أن تتبناه وتربيه بدون هوية يعرفها أو انتماء يشعر به.
أما نحن فإسلامنا يدعونا للزواج إذ (ما بنى بناء في الإسلام أحب إلى الله من التزويج) (١) متوكلين على الله الرازق لا يخيفنا الفقر: (التمسوا الرزق بالنكاح) (٢) مؤكدا على ضرورة أن نمارس أبوتنا وأمومتنا: (ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلا لعل الله أن يرزقه نسمة تثقل الأرض بلا إله إلا الله) (٣).
وكل عام ونحن ممتعون بنعمة البنوّة والأبوّة والأمومة.
(١) البحار: ١٠٣ / ٢٢٠ / ١٨ وص ٢٢٢ / ٤٠.
(٢) مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص ١٩٦.
(٣) العروة الوثقى، السيد اليزدي، ج ٥، ص ٤٧٥
* طفل الصندوق: هو صندوق تضعه بعض الجمعيات الخيرية في المجتمعات الغربية والصين عند جدران مقرها لتتمكن الأمهات غير الراغبات بأبنائهن من وضعهن في الصندوق بكل سرية وأريحية مع أوراقهن الثبوتية إن أحببن أو بدونها في محاولة لتقليل ظاهرة رمي الأطفال غير الشرعيين في الشوارع وفي القمامة .. يمكن الاطلاع على الفيديو للتفاصيل :
https://youtu.be/102PcUBCIe8
أحسنتم.. مقالة في غاية المسؤولية والنضج..
ردحذفكل الشكر لكم سيدنا الجليل
حذفممتنة لجميل مروركم